ثم قال عليه الصلاة والسلام: {واعلم أن النصر مع الصبر}، كل الناس يريدون النصر، والله سبحانه وتعالى جعل النصر منوطاً بالصبر، وإلا فلا نصر، وعادة يكون النصر بدخول معركة، وهل نحن إلا في معركة؟! وكل الناس حتى الذين لا يؤمنون بالآخرة يقولون: معركة الحياة.. ومعترك الحياة، وهذا حق؛ فهم في معركة مع أنفسهم، ومع الناس والمال، ومع كل شيء؛ فالحياة هي معركة فعلاً، لكن الذي سوف ينتصر هو المؤمن، وإذا أردنا أن ننتصر فعلينا بالصبر، وبالأخص من كان يدعو إلى الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: (( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ))[لقمان:17].
وقد جعل الله سبحانه وتعالى للإمامة في الدين شرطين لا بد أن يتحققا، ولو اختلّ أحدهما لاختل تحقق الإمامة في الدين، وهما: الصبر واليقين؛ يقول الله تعالى: ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ))[السجدة:24]، فالذين حققوا ذلك من بني إسرائيل تحققت لهم الإمامة في الدين.
فلا بد إذاً من الصبر: { واعلم أن النصر مع الصبر }، ولقد قالت العرب: (بين النصر والهزيمة صبر ساعة)، وهذا عنترة بن شداد الفارس الجاهلي المعروف لما سئل: بم تغلب خصمك؟ قال: (ما بارزت أحداً إلا قلت: الآن أفر، ثم قلت: أنتظر قليلاً فربما فر، فيفر، فأكون أنا الذي انتصرت)، وهكذا الإنسان يصبر نفسه قليلاً حتى يأذن الله تعالى بالفرج، وتأتي الهزيمة من الطرف الآخر، والطرف الآخر يتمثل بالنفس والدنيا والشيطان والهوى، وعدو القتال.